
المغرب يعيش نوعا من الإلتقاطية والتلفيق بلا أدنى حرج أو تأفف. هذه هي الملاحظة التي يفتح بها المفكر حسن أوريد كتابه الأخير « من أجل ثورة ثقافية بالمغرب ». يرى حسن أوريد أن الشعب المغربي يعيش في عالم أساطير، عالم مزيف كالذي يعتمد عليه الحكم المطلق الذي لا يقوم إلا على شعور الخوف والظن، والزيف، والصورة عوض الجوهر. والثقافة المخزنية هي تسيرتماما على ذلك النمط : تأبى المبادرة، وترفض الإبتكار، وتقوم على الولاء عوض الكفاءة
فترانا على هامش التقدم العالمي، ننقل التقنيات ونتاعمل معها تعاملا نفعيا فقط. الشيء الذي لن يجعل منا أبناء عصرنا ما لم نكتسب بنية ذهنية عقلانية تسري في أغلب طبقات مجتمعنا وفي كل أوجه الحياة
ولابد أن تفكك بنية القديم كي ترسي الجديد، وهذا ما يعني به الأستاذ حسن أوريد « ثورة ثقافية ». ـ
إعادة بناء هندسة المنظومة التعليمية وفق ما نريد أن نبلغه هي أساس هاته الثورة الثقافية التي يسعى إليها الكتاب. فما الذي نريد أن نبلغه؟ السؤال يبقى مفتوح في سياق خالٍ من رؤية حاسمة المصير. ـ
تحدثت هذا الأسبوع مع الأستاذ حسن أوريد عن إمكانية بدء هذه الثورة الثقافية والإنغمار فيها. فتطرقنا إلى الأسئلة التالية.
حصيلة المحاولات الإصلاحية التي تبناها المغرب
كل الإصلاحات التي تم إتخاذها تنم عن شيء وهو الوعي بأهمية ورش التربية. هي كانت وليدة سياق معين بات تحت تأثير موجة تسعى للاندماج في السوق العالمية الذي يلزم أن يكون التعليم مطابقا لمعاييرمحددة. ولم تكلل المحاولات الإصلاحية الماضية بالنجاح لإعتبرات عدة، ولا ربما أن السبب الأساسي هو أن التعليم ليس فقط بهدف الحصول على شغل، فلابد من طموح جماعي
ما هي خريطة الطريق الممكن تبنيها من أجل إصلاح المنظومة التعليمية؟
فإذا الأستاذ حسن أوريد ينص على ضرورة تحديد طموح جماعي ليسري شعور في كافة مكونات الشعب. ثم لابد أن نفكر بهندسة التربية لتنطبق مع عصر التكنولوجيا الرقمية.ـ
كما يجب أن نعالج شيء نحن متخلفون فيه ولهو ثقافة التقييم. لابد أن نتعلم أن نتوقف من أجل إجراء تقييم حينما نشتغل على تجارب ومحاولات. وإلى الآن ليس لدينا في المغرب أدوات من أجل تقييم العملية التربوية.ـ
هل اللغة الفرنسية تخدم الاقتصاد المغربي أم أنها عبء عليه وتهديد للوحدة الثقافية ؟
والسؤال المطروح هو هل فعلا توجد إرادة (وإمكانية) لخلق طموح جماعي في ظل سياق سياسي وإقتصادي لا زال يحمل علامات الاستعمار الفرنسي.ـ
الأستاذ حسن أوريد ينفي قطعا أن يكون لفرنسا دورا في القرارات السيادية المغربية معأنه الاستقلال ما هو إلا مغربة الحماية، والسبب من ذلك يفسره قول الأستاذ محمد عابد الجابري أدناه الذي يستشهد به الأستاذ حسن أوريد في كتابه.ـ
”إن الشيء المؤكد هو أن الوضعية التعليمية كانت تتطلب آنذاك (غداة الاستقلال)، كما تتطلب اليوم، القيام بثورة ثقافية شاملة، كانت تستلزم حلولا جذرية أصيلة، ولكن هل يمكن القيام بهذه الثورة الثقافية والعثور على هذه الحلول الجذرية في ظل أوضاع لم تتحقق فيها الثورة الاجتماعية والتغيرات الجذرية الضرورية؟
محمد عابد الجابريأضواء على مشكل التعليم بالمغرب 1973
لم يكن إستقلال المغرب نتيجة ثورة، ولا وليد حرب تحريرية طويلة الأمد، وإنما كانت نتيجة حلول وسطى توفيقية، كانت إجهاضا لثورة كانت في طور المخاض، فبقي النزيف، نزيف الإجهاض، يغذي المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى اليوم.
من جهة أخرى يشير أوريد أنه لم نقبل بتنوع اللغات المتواجدة في المغرب بعد، وأرسينا نوعا من التميزات بحيث هناك المعربون في جهة وهناك المفرنسون في جهة. فينبغي أن نقبل بتنوع اللغات ونحسن تدبيرها.ـ
ولكن المشكل ربما هو ليس في التعدد بل في إختيار اللغات التي تخدم مصالح المواطنين المغاربة والإستغناء والتخلي عن اللغات التي ما هي إلا عبء على المجتمع في ظل زمن اختارت فيه الأسواق العالمية تبادل الفرص والثروات باللغة الإنجليزية.
فهنا تشير أصابع الاتهام إلى اللغة الفرنسية التي صارت مدخل بدون داع. ليست لغة رسمية ولن تصير لغة رسمية قط. هي لغة الفئة النافذة المطيعة للتدخل الأجنبي الذي استولى على الاقتصاد وغيره، رمز الاستبداد وتذكير يومي لتراجعنا الثقافي وتخلفنا الفكري.
ربما تظن أيها القارئ أن هذه ليست إلا إعتبارات أيديولوجية، ولكن الأرقام لا تكذب. الاقتصاد الفرنسي يتراجع عالميا وربط مصيرنا الاقتصادي به هو في آخر المطاف ليس إلا إنعزال على السوق العالمي، كوننا نتعامل أساساً مع فرنسا (وإسبانيا) وندير ظهرنا إلى أهم الفرص، بل أسوء، هو انتحار غبي نظرا لواقع نخضع فيه لكيان واحد، وفي نفس الوقت، نعدد فيه اتفاقيات التجارة الحرة مع أسواق قوية ليس لدينا ما نقدم لها. حقيقة يرسمها الميزان التجاري المغربي عام بعد عام.
الاقتصاد الفرنسي يتراجع
الميزان التجاري المغربي من سيء إلى أسوأ

هل مصير الأمة المغربية أن تكون قوة ثقافيية وإقتصادية أم أن المغرب يبقى مجرد نقطة عبور إستراتيجية؟
فإذا يطرح السؤال الحاسم: ما الذي نريد أن نبلغه؟
سؤال يطرح سؤال آخر : ما الذي ما زال ممكنا أن نبلغه؟
من المفروض أن يقود العملية الإصلاحية؟
جواب الأستاذ حسن أوريد هو: « الجميع ». والتعاون بين القطاعين العام والخاص أساسي.
شاهد الحوار لمعرفة المزيد.

”وزارة التربية الوطنية لها مجال محفوظ، لها مسؤولية كبرى، لا ينبغي لأي قطاع أن ينازعها
حسن أوريد